أمراض سوء التغذية الأسباب والمظاهر العامة لسوء التغذية
تعتمد الحالة الصحية والغذائية السليمة على حصول الفرد على ما يكفيه من العناصر الغذائية الضرورية، أي على التغذية السلمية، وتوفير الغذاء الكافي. وتتأثر كفاية الغذاء بعدة عوامل، من بينها الرخاء الاقتصادي والاجتماعي، والإنتاج الزراعي والغذائي، وعدالة توزيع هذه المنتجات. ويعد الجهل وانخفاض المستوى الاقتصادي من أهم أسباب أمراض نقص التغذية في الدول النامية . وفي هذه الدول يقع العبء الأكبر لسوء التغذية على الأطفال، لأن من أهم السمات الطبيعية للإنسان في مراحل العمر الأولى هي النمو الذي يشمل النمو البدني والعقلي والعاطفي، والنمو الاجتماعي من خلال الأسرة والمجتمع. وتلازم التغذية أوجه النمو المختلفة، بحيث لا يمكن فصل أي منها عن الآخر. وقد دلت الأبحاث أن الحرمان العاطفي والقسوة والإهمال وتفكك الأسر والمشاكل النفسية يؤدي كله إلى التأخير في النمو وإضعاف البدن مثل نقص الغذاء، والإصابة بالأمراض المزمنة في مراحل العمر الأولى. وللأطفال عدة صفات مميزة يختلفون فيها عن الكبار، منها أن احتياجاتهم الغذائية أكثر من احتياجات الشخص البالغ، لأنهم يحتاجون إلى مزيد من الطاقة والبروتين لبناء أنسجتهم، وليس فقط للمحافظة على سلامتها، وكذلك تختلف الوظائف الفيزيولوجية لأعضاء جسم الطفل عن تلك التي للشخص البالغ.
ولما كان الضرر الأكبر لسوء التغذية يقع على الأطفال، فإن مشكلة سوء التغذية عند الأطفال، وخاصة في السنوات الخمس الأولى من العمر، من أهم المشاكل الصحية عامة والمشاكل الغذائية بوجه خاص. إذ أن الحالة التغذوية في السنة الأولى من العمر تعتمد على الطريقة التي يتغذى بها الطفل، وعلى حالته الغذائية وهو جنين، أي قبل الولادة. فالطفل الرضيع الذي يتغذى على لبن "حليب" الأم تكون حالته الصحية والغذائية مرضية حتى شهره السادس، أما بعد ذلك فإن لبن الأم لا يفي باحتياجات الطفل المتزايدة، وخاصة لبعض المواد الغذائية التي لا توجد في اللبن بوفرة مثل الحديد وبعض الفيتامينات. كما أنه يحتاج لكميات أكثر من المواد المنتجة للطاقة نظرا لنموه السريع في هذه الفترة. لذلك لا بد من تزايد هذه المواد بجانب الاستمرار في الرضاعة بكميات تتفق وسن الطفل، فإذا اتبع هذاالنظام لا تكون هناك أي مشكلة، ويستمر نمو الطفل على منوال طبيعي. أما إذا انقطع الطفل فجأة عن الرضاعة من ثدي أمه لأي سبب ولم يعوض عن لبن الأم بما يعادله من الحليب البقري أو المجفف، مضافا إليه الأغذية الإضافية، فإنه يتعرض لأشد حالات سوء التغذية وخاصة إذا أصيب في هذه الفترة بأي مرض معد. وتظهر عليه عندئذ عدة أعراض متفاوتة في الشدة منها تأخر النمو الطبيعي ثم توقفه تماما، ثم يتبع ذلك نقص في وزن الجسم إذا استمرت الأوضاع التي أدت إلى ظهور أعراضه نظرا لاستهلاك ما تحتويه أنسجة جسم الطفل من سوائل ودهون وبروتينات. وتزداد حالته سوءا إذا أعطته أمه رضعة ملوثة أو غير مغذية، أو امتنعت تماما عن إطعامه ظنا منها أنها تعالجه مما يعانيه من قيء وإسهال إلى غير ذلك.
وهذه الحالة كثيرا ما تصيب الطفل في السنة الأولى من العمر. وما أكثر ما نجد مرضى بهذه الحالة في المستشفيات والمراكز الصحية، بل قد يصل الأمر ببعض هؤلاء المرضى من الأطفال أن يكونوا في حالة حرمان تام من الطعام أو الجوع المزمن حتى يبدو وجه الطفل فيه كوجه العجوز، كما يبدو جمسه كهيكل عظمى يرتدي ثوبا من الجلد الجاف، وقد يحتاج هؤلاء الأطفال إلى بقائهم عدة أشهر بالمستشفى للعلاج، كما أنهم حتى لو شفوا من المرض تظل أثاره في نموهم البدني والعقلي، وهؤلاء هم الأطفال الذين يصابون بدرجة شديدة من نقص البروتين والطاقة ويطلق على هذه الحالة اسم السغل .
ويصاب الطفل في السنة الثانية من العمر بسوء التغذية نتيجة لفطامه بغذاء مكون من الكثير من المواد النشوية والقليل جدًّا من المواد البروتينية التي لا تفي بحاجة الطفل من المواد البانية لأنسجة الجسم وخلاياه وأجهزته المختلفة. لذلك تظهر على الطفل أعراض خاصة بنقص المواد البروتينية مثل تورم الجسم والتهابات الجلد وسقوط الشعر وتقصفه، بجانب الأعراض السابق ذكرها كتوقف النمو وضمور العضلات.
كما يصاب الطفل باضطرابات عصبية، إذ يصبح حاد المزاج فلا يكف عن البكاء ويبدو كئيبا وقد يشكو من الأعراض الناشئة عن نقص الفيتامينات وخاصة فيتامين A الذي يؤدي نقصه إلى جفاف أنسجة العين وخاصة القرنية مما يؤدي إلى العمى.
كما تبدو عليه أمراض فقر الدم نتيجة لنقص الحديد، بجانبأعراض نقص الفيتامينات الأخرى. وفي أغلب الأحيان التي يعاني فيها الطفل هذا النوع من سوء التغذية تظهر هذه الأعراض إثر تعرض الطفل لمرض حاد مثل الحصبة Measles أو التهاب الجهاز التنفسي أو النزلات المعوية، أي أن الأمراض الحادة تعجل بظهور أعراض سوء التغذية، كما أن سوء التغذية يزيد من قابلية الطفل لالتقاط عدوى الجراثيم، ويقلل من مقاوته لها، أي أن كلا منهما يصبح سببا للأخر ونتيجة له، مثل الحلقة المفرغة لا تدري لها بدارية من نهاية، وتسمى هذه الحالة من سوء التغذية الشديد بالكواشركور .
وفي السنة الثالثة حتى السادسة يؤثر سوء التغذية على نمو الطفل بشكل فعال بحيث يبدو الطفل سلميا، ولكن وزنه أقل من الوزن الطبيعي لمن هم في سنه ويبدو جسمه غير متناسق، بحيث يصبح الرأس كبيرا بالنسبة للجسم، والساقان نحيفين وحجم القفص الصدري صغيرا بالنسبة للبطن، وذلك لانتفاخ البطن بسبب هزال العضلات وتخمر المواد النشوية فيه، وما ينتج عن ذلك من غازات. ولا يخفي ما يحدثه ذلك من مغص مؤلم للطفل. وقد يزيد في الأعراض المرافقة له إصابة الطفل بديدان الصفر Ascaris التي كثيرا ما يصاب بها الأطفال في هذه السن نتيجة لالتقاط الطعام من الأرض ووضعه ملوثا في أفواههم.
أما أطفال المدارس "من ست سنوات وما فوق" فهم عرضة للإصابة بدرجات متفاوتة من نقص التغذية الغنية بالبروتين والطاقة، وهذا يؤدي إلى تأخير النمو الجسدي والعقلي. وقد يبدو الطفل في ظاهره سليمًا ولكن حينما يقاس طوله ووزنه نجد أنهما دون المعدل الطبيعي بالنسبة لعمره، كما أنه يكون عرضة للإصابة بفقر الدم ونقص الفيتامينات وخاصة نقص فيتامينات B المركب.
الأسباب الغذائية والفيزيولوجية لسوء التغذية:
تشمل عملية التغذية جميع التفاعلات الحيوية التي تحدث في أنسجة الجسم والتي يتم بواسطتها مد الخلايا بالمواد المغذية التي تحتاجها لتوليد الطاقة وبناء المركبات الحيوية اللازمة لبناء الهيولي والإنزيمات والهرمونات التي تنظم هذه العمليات، ثم الحفاظ على فائض من هذه المواد الغذائية يودع في الخلية على هيئة مخزون احتياطي تلجأ إليه الخلية في حالة العجز عن إمدادها بما تحتاجه من المواد الغذائية اللازمة
والتغذية السليمة تحتاج إلى توازن في تركيز هذه المواد داخل الخلية، والاضطراب في هذا التوازن نتيجة للنقص في المواد المغذية، لعدم كفاية الطعام أو اضطراب في الهضم والامتصاص أو العمليات الاستقلابية الغذائية، يؤدي إلى سوء التغذية
التغذية السليمة تعتمد على:
- تناول الطعام الكافي والمناسب لحاجة الجسم.
- سلامة عمليتي الهضم والامتصاص.
- سلامة عملية نقل المواد المغذية الناتجة عن الهضم والامتصاص إلى الأنسجة والخلايا
- سلامة مد الخلية بالأكسجين والماء.
- سلامة نقل المواد الضارة خارج الخلية للتخلص منها خارج الجسم.
وقد يؤدي اضطراب أي من هذه العمليات إلى سوء التغذية الذي يؤثر بدوره على الحاله الصحية والعقلية والبدنية للفرد. فعدم تناول الغذاء المناسب يؤدي إلى سوء التغذية الأولى، أما اضطراب العمليات الفيزيولوجية فيؤدي إلى سوء التغذية الثانوي. وتعتمد مظاهر سوء التغذية على النقص الكمي والنوعي لعناصر الغذاء المختلفة وعلى الفترة الزمنية التي يستغرقها النقص لظهور أعراضه.
مراحل سوء التغذية الناجم عن نقص الغذاء:
يمر سوء التغذية في ثلاث مراحل كالتالي:
مرحلة استنزاف مخزون الأنسجة الاحتياطي:
في هذه المرحلة يكون تناول الغذاء غير كاف لمد الجسم باحتياجاته الغذائية، ويؤدي ذلك إلى استنزاف المخزون من هذه المواد. وفي أثناء هذه المرحلة لا تتأثر الوظائف الفيزيولوجية للأنسجة ولا يطرأ عليها أي تغيرات مرضية تحت الظروف العادية، ولكن يؤدي هذا الاستنزاف إلى أضرار خطيرة إذا حدث في حالة النمو السريع عند الأطفال، أو أثناء الحمل والرضاعة، وفي حالة العدوى بالجراثيم.
مرحلة سوء التغذية الكامن:
في هذه المرحلة تتأثر الوظائف الفيزيولوجية للأنسجة كما يتأثر تركيبها نتيجة لنقص المواد الغذائية ولكن لا توجد أعراض مرضية واضحة. وعدم ظهور.
الأعراض المرضية في هذه المرحلة يرجع لقدرة الجسم على التكيف في مواجهة نقص العناصر الغذائية التي يحتاجها. فمثلا في حالة نقص عنصر الحديد نتيجة لفقد كميات كبيرة من الدم أو لزيادة الاحتياجات أثناء الحمل والنمو، يحاول الجسم مواجهة هذا النقص برفع كفاءة امتصاص الحديد من الأمعاء لكي يحصل على أكبر كمية لتعويض هذا النقص، وتعتمد قدرة الجسم على التكيف على عمر الفرد، فهي ضعيفة في حالة الأطفال والشيوخ.
سوء التغذية السريري
في هذه المرحلة تظهر الأعراض المرضية، وتكون نتيجة لتأثر الوظائف الفيزيولوجية وللتغيرات المرضية التي سببها نقص التغذية. وتظهر أعراض سوء التغذية في مجموعات بعضها محدود، وخاصة بعنصر غذائي معين، وبعضها عام يصاحب معظم أنواع النقص المختلفة. ومن الأعراض العامة الضعف العام ونقص النمو عند الأطفال، ومن الأعراض الخاصة أو النوعية الرمد الجاف أي جفاف المقلة في حالة عوز فيتامين A. ويبين الجدل التالي الأسباب النوعية لسوء التغذية وبعض الأعراض السريرية.
علامات نقص البروتين
التورم
واحدة من أكثر العلامات شيوعاً لعدم حصولك على ما يكفي من البروتين هي التورم (وتسمى أيضا الوذمة) خاصة في البطن والساقين والقدمين واليدين، وأحد التفسيرات المحتملة أن البروتينات التي تنتشر في الدم - الزلال على وجه الخصوص - تساعد في منع السائل من التكون في الأنسجة، لكن هناك أسباب كثيرة يمكن أن تسبب التورم (الوذمة) لذا تأكد من مراجعة طبيبك في حال كان الأمر أكثر خطورة.
التغيرات المزاجية
يستخدم عقلك مواد كيميائية تسمى الناقلات العصبية لنقل المعلومات بين الخلايا، والعديد من هذه الناقلات العصبية مصنوعة من الأحماض الأمينية وهي اللبنات الأساسية للبروتين، لذا فإن نقص البروتين في نظامك الغذائي قد يعني أن جسمك لا يستطيع إنتاج ما يكفي من هذه الناقلات العصبية، وهذا من شأنه أن يغير طبيعة عمل عقلك.
تعليقات
إرسال تعليق